ميرابو المصري

صورة 1 صورة 2

الوقائع التاريخية لمحاولة فض دورة مجلس النواب

كانت الحكومة المصرية برئاسة نوبار باشا، وتضم وزيرين أحدهما إنجليزى والآخر فرنسى. تعد العدة لإعلان إفلاس مصر كحل أخير لأزمة الديون الأجنبية. وعلمت العناصر الوطنية فى مجلس النواب بما تدبره الحكومة فى الخفاء فأعدوا مشروعًا مضادًا يلتزم بمقتضاه المصريون بتسديد الديون من دخلهم القومى، بشرط تنظيم الشئون المالية وإصلاح مفاسد الإدارة بعيدًا عن تدخل الوزيرين الأجنبيين. وشعرت الحكومة بما تعده المعارضة الوطنية فبيتت النية على إجهاض المشروع. واستصدرت مرسومًا خديويًا بفض المجلس قبل موعده. كيف يكون فض الجلسة مستحيلًا بعد أمر خديوينا المعظم؟ هل حضرتك فاهم قيمة مسئولية ما تقوله؟

واتجه رياض باشا إلى بقية الأعضاء لتخويفهم، حتى لا ينضموا إلى هذا النائب الجريء، وقال: ما أظن حضرتكم يوافقون على ما تقول. وكانت المفاجأة الثانية، عندما اندفع الأعضاء الوطنيون لشد أزر زميلهم وأعلنوا تضامنهم معه فى كل ما يقول. وهم رياض باشا بالقيام إذنًا بإنهاء الجلسة. وعندئذ صاح عبد السلام المويلحى قائلاً: إننا هنا سلطة الأمة. ولن نخرج من هنا إلا بقوة الحرب!!

عندئذ وجم رياض باشا، لدى سماعه هذه العبارة التاريخية التى أعادت إلى ذهنه أحداث الثورة الفرنسية، فعاد إلى مقعده صائحًا: يعنى حضرتكم تقلدون نواب فرنسا الذين ثاروا على حكومتهم؟ يعنى حضرتكم الآن بعمائمكم وجببكم مثل نواب أوروبا وأمريكا؟

ورد النواب الإهانة بعشرة أمثالها. وصاح أحمد العويسى: يا باشا أنت الآن تشتم نواب أمتك التى تعطيك أنت وغيرك مرتباتكم الشهرية. وقال عبد الشهيد بطرس: إن كلامك هذا وقاحة. والمجلس لا يقبل هذه الوقاحة من ناظر الداخلية بل يردها عليه. وقال أحمد الصوفانى: أوافق العضو على رد الإهانة للناظر حتى يعلم أن فى البلاد أمة حية ولها نواب يدافعون عن كرامتها.

هنا قال عبد السلام المويلحى: أسمعت يا باشا؟ أرأيت عاقبة تسرعك فى الكلام؟ اعلم أن المسألة ليست مسألة زى وثياب. بل مسألة نواب لهم عقول تفهم جيدًا رغبات الأمة التى آنابتهم عنها. أليس من العيب، وأنت وزير فى وزارة يزاملك فيها وزير إنجليزى وآخر فرنسى، وهما فى الحقيقة خفيران عليكم وعلى الحكومة؟

ثم تجمع أمام الوزيرين الأجنبيين أصحاب الجوائد وتقول لهم: إن الحكومة عزمت على فض مجلس شورى النواب غدًا، فالحذر كل الحذر من أن تنشروا كلمة واحدة عن هؤلاء النواب فى جرائدكم بأنهم ناس جهلاء وهمج. تقول ذلك عن نواب بلادك. مصر العزيزة. ونحن جميعًا درسنا فى الأزهر الشريف.

فقال الشيخ حسن عبد الرازق: إن ما قاله المويلحى يعبر عن أفكارنا جميعًا. فصاح النواب: موافقون. موافقون. فلم يملك رياض باشا إلا أن يغادر قاعة المجلس وهو يهذى: إذن أنا منسحب. أنتم عصاة. أنتم ثوار.

فقال المويلحى موجها كلامه إلى كاتب الجلسة: لا تحذف حرفًا واحدًا مما قيل فى جلسة اليوم، حتى إذا نقلته الجرائد غدًا، علمت الأمة جميعًا من هم الهمج: النظار أم النواب.

واستجاب النواب لطلب المويلحى باعتبار المجلس فى حالة انعقاد دائم. وتشاوب الأعضاء على المبيت فى القاعة حتى اهتزت أركان الحكومة فاستقالت.

العودة إلى المقالات